تداعي حملات التشويه.. زيارة الداعري لتعز تعيد الاعتبار للجيش وحاضنته الصلبة (تقرير خاص)

تداعي حملات التشويه.. زيارة الداعري لتعز تعيد الاعتبار للجيش وحاضنته الصلبة (تقرير خاص)

في توقيت بالغ الحساسية، وصل وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري إلى محافظة تعز، في زيارة ميدانية تجاوزت الطابع البروتوكولي لتصبح رسالة ذات دلالة قوية في وجه التحديات المتصاعدة ومحاولات الأطراف التي تسعى لـ "شيطنة" المحافظة واستهداف حاضنتها العسكرية والمجتمعية.

جاءت الزيارة التي استهلها الوزير الداعري باستعراض سرايا رمزية من قوات الجيش الوطني والأمن في شارع جمال بقلب مدينة تعز، الموقع الذي لا يبعد عن خطوط التماس مع جماعة الحوثي الإرهابية سوى كيلومترين تقريباً، وهذا بالمناسبة مشهد تعريفي لمن يجهل هذه المدينة الواقفة على خطوط النار ومع ذلك تعج بالحياة وتستعرض قوة الدولة.

ومن حيث الشكل والمضمون، يمكننا القول إن الزيارة قدمت استعراضا للجاهزية والانضباط والاستجابة السريعة، حيث تم التحضير للعرض العسكري في وقتٍ قياسي، الأمر الذي جدد تأكيد الثقة بقدرات الجيش في تعز، وأثبت أن المؤسسة العسكرية والأمنية ما تزال قادرة على التنظيم والتأمين وسط تحديات أمنية معقدة.

كما أن المشهد الميداني نفسه ترك أثراً عميقاً لدى كثير من الناشطين، فخلال ساعات قليلة، تحول شارع جمال ميدان عسكري وظهر عليه النظام والانضباط؛ وعمال النظافة أتموا مهامهم بسرعة، ورجال المرور نظموا الحركة بانسيابية، والأجهزة الأمنية أمنت المكان بمستوى عالٍ من الكفاءة، ليظهر العرض في أجمل صورة.

 

رمزية الدولة

 

حرص وزير الدفاع الداعري في خطابه، على أن يضع تعز في موقعها الطبيعي ضمن معادلة الدولة والجمهورية، قائلاً: "زرنا جميع المناطق العسكرية ووجدنا أبناء تعز في كل الوحدات والمواقع قادةً وجنوداً، يضربون أروع الأمثلة في البطولة والتضحية".

كما استغل الداعري رمزية تعز بالنسبة لليمنيين، ليُعلن منها عن المرحلة المقبلة التي وصفها بـ"معركة الخلاص الوطني" لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي المستمر لأكثر من عشر سنوات.

وبدوره، أشاد محافظ تعز نبيل شمسان بجهود منتسبي المحور وجاهزيتهم العالية وتضحياتهم وصمودهم في جبهات القتال، ومؤكدا أن تعز كانت وستظل "الركيزة الوطنية الأولى في مسيرة النضال الجمهوري".

أما رئيس أركان المحور اللواء عبدالعزيز المجيدي، فقد أشار إلى أن الحاضنة المجتمعية والمقاومة الشعبية كانتا العامل الحاسم في استمرار الجيش ووقوفه على خطوط النار دون أن يفقد روح الانضباط والانتماء.

وكشف التعاطي الرسمي والشعبي مع زيارة الوزير الداعري، أن محافظة تعز تظل ساحة اختبار لصلابة الدولة وجاهزية مؤسساتها للتعامل مع مختلف الظروف والوقوف في وجه العواصف التي تستهدف جوهر القانون. 

 

احتفاء شعبي

 

في مواجهة حملات التشويه والتشكيك التي سعت خلال الشهر الماضي إلى استهداف الحاضنة الشعبية للجيش وتوظيف قضايا المدينة في مسارات سياسية ضيقة، جاء استقبال وزير الدفاع رداً عملياً على أن هيبة المؤسسة العسكرية لا تقاس بالضجيج الإعلامي، وإنما بالفعل على الميدان وهو الانضباط الذي أثبتته المؤسستين العسكرية والأمنية في تعز.

والشارع كما النخب من مثقفين وصحفيين وقيادات اجتماعية، قرأ في العرض العسكري الرمزي حضور الدولة، ما جعل الزيارة تبدو وكأنها استفتاء مفتوح على مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيراً عن ثقة ودعم الناس للجيش والأمن في وجه الأصوات التي حاولت عبثاً تحويل المدينة إلى ورقة صراع أو ميدان تصفية حسابات.

الصحفي سلمان الحميدي، أحد أبرز من عبّروا عن هذا المزاج العام، إذ وصف العرض العسكري بأنه "منجز عظيم" يجسد صلابة المؤسسة في أكثر المراحل ضغطاً وتعقيداً.

وأوضح الحميدي في منشور "فيسبوك"، أن هذا العرض جاء بينما كانت القوات المسلحة في تعز تتصدى لحملات ضخمة، ميدانياً ضد الحوثيين وإعلامياً ضد محاولات تهميشها، ليؤكد أن الجيش ما يزال متماسكاً رغم كل أشكال الحصار والاستهداف.

كما سلط الضوء على شح الإمكانيات التي يعانيها محور تعز العسكري، باعتباره "أقل التشكيلات دعماً وأكثرها حرماناً حتى من البدلات العسكرية"، ومع ذلك نجح في إظهار مستوى ميداني وتنظيمي رفيع، ما يجعل المشهد في نظره "اختبار جاهزية ورسالة ثقة من تعز إلى القيادة السياسية".

بدوره قدم القيادي في المقاومة الشعبية توفيق عبدالملك فرحان، قراءة أعمق لطبيعة الرسائل التي حملتها الزيارة، مؤكداً أن تعز رغم افتقارها للموارد والنفط، إلا أنها غنيةٌ بوطنية أبنائها وبسالة جيشها ووعي حاضنتها الشعبية، وهذه المقومات حسب تعبيره، تفسد كل المؤامرات والمكائد الرامية إلى كسر صمودها.

ويرى فرحان، أن تعز بما تمثله من تجربة استثنائية في العيش تحت الحصار مع الحفاظ على الحرية والحيوية والحضور المدني، تحولت إلى نموذج لمؤسسات دولة تُعاد صياغتها من قلب الحرب، مؤكداً أن محاولات التشويه الأخيرة لم تفلح إلا في إظهار قوة تعز أكثر من ضعفها.

 

السيادة الوطنية

 

رغم أن الزيارة حملت طابعاً عسكرياً من حيث الشكل، إلا أن صدى الزيارة تجاوز الاصطفافات، ليجمع حوله أصواتاً من توجهات فكرية مختلفة وجدت نفسها تلتقي على قناعة واحدة؛ أن الجيش الوطني هو عنوان الدولة، وأن بقاءه متماسكاً هو ضمانة لاستقرار المدينة.

فقد رأى المحامي علي الصراري أن الحضور الذي أثبته العرض العسكري في شارع جمال لا يثير الغضب إلا لدى خصمين اثنين؛ العدو الذي يترصد المدينة من الخارج، والعدو الثاني هو من يتواطأ معه في الداخل، وهي إشارة من الصراري بأن معركة الوعي لا تقل أهمية عن المعركة على الجبهات.

أما الشيخ علي القاضي عضو هيئة علماء اليمن، فيصف الاستقبال العسكري والشعبي الواسع لوزير الدفاع بأنه تطهير رمزي لكل ما حاولت الحملات الممنهجة أن تزرعه في النفوس من شكوك وإحباط. وفي رأيه، فقد أعادت هذه اللحظة حالة الاتزان بين السلطة والمجتمع والميدان.

ويؤكد السياسي عبدالقادر الجُنيد أن مشهد العرض العسكري أعاد للرأي العام شعور وجود الدولة ولو بصورة خاطفة، ويرى بأن الجيش يجب أن يكون رمز للسيادة الوطنية قبل أن يكون قوة عسكرية.

كما أقرَّ المصور الصحفي حمزة مصطفى، بدور أبطال الجيش في ردع الحوثي وحماية مدينة تعز، مؤكداً في الوقت ذاته أن الأصوات الصادقة التي تنادي بالإصلاح لا يمكن أن تكون ضد هؤلاء الأبطال وإنما من أجل تعز وأمنها.

والمعنى البارز في خطاب معظم النخب المحلية، يتفق مع فكرة أن الاستقواء بالدولة هو المخرج من فوضى التشكيك والانقسام، وأن حضور الجيش في الشارع لم يكن استعراض قوة بقدر ما هو استعادة للثقة العامة.

 

توظيف خاطئ

 

تحاول الأطراف التي قادت حملات التشكيك الممنهجة في التقليل من شأن زيارة الاستقبال العسكري لوزير الدفاع في تعز، وهي تناولات تتسم بنبرة استهزاء مبطنة عارية من الرؤية الوطنية. 

فكما اعتادت أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي التركيز على توجيه التهم نحو الجيش في تعز، مثل جمال الصامت وعبدالحليم صبر وآخرون، استغلوا الزيارة لمحاولة النيل من ثقة المؤسسة العسكرية في لحظة استعراض هيبتها.

ورغم محاولات التوظيف المستمرة، لا تستطيع هذه الأصوات إخفاء "اللحظة الذهبية" حسب وصف عبدالقادر الجُنيد، والتي تحققت بحضور وزير الدفاع لتؤكد أن الدولة حاضرة في تعز بوزنها العسكري والسياسي، وأنها مستعدة للمضي قدماً في خطة "الخلاص الوطني".

فالزيارة تجاوزت كونها تفقدية إلى تجديد العهد الوطني في تعز، حيث قدم الجيش دليلاً قاطعاً على جاهزيته وانضباطه، في ظل ظروف هي الأشد من حيث قلة وضعف الإمكانيات، ليُثبت أن تعز رغم ذلك ترفض وضع اللادولة وتظل امتداداً وطنياً خالصاً.