لا يوجد مشاعر ولا حب ولا مبادئ ثابتة في السياسة.
توجد فقط مصالح ومنافع وغرائز إنسانية بدائية.
المصالح تتغير والمواقف تتغير والصداقات تتبدل.
وبعدها يحدث أهم شيئ: "الأولويات" تتغير وتتبدل.
هذه الأيام، قد تغيرت أولويات الإمارات والسعودية وأمريكا.
وما يجري اليوم في اليمن ليس حدثا منفصلا، بل هو استمرار لقانون عالمي أبدي: حين تتغير أولويات الدول الكبيرة، تتحول الدول الصغيرة إلى مساحات اختبار.
وهناك اليمنيون… واليمن.
سأحكي عن عموم الناس اليمنيين وعن الإحساس بالوطن الأم اليمن من خلال محطات أيام عمري عبر السنين لأنفخ الروح في المعاني ولتجنب الملل.
**
أولا: آخر التطورات
**
١- خروج الرئيس الغير لائق
*
خرج رئيس اليمن رشاد العليمي وحراسته، من قصر معاشيق في عدن من عدن بطريقة غير لائقة.
يمكن أن نسمي هذا الخروج الغير اللائق لرئيس اليمن، انقلابا رسميا سياسيا وعسكريا على فكرة المجلس الرئاسي اليمني، التي تمنع "الإجراءات الأحادية".
٢- عيدروس وطارق
*
وصف هذه التغييرات من قبل "قائد" المخاء وعضو المجلس الرئاسي طارق صالح بأنها مجرد إعادة تغيير لمسرح العمليات، غير مناسب على الإطلاق.
العامل الأساسي، خلف هذا التصريح، هو دولة الإمارات، التي هي القاسم المشترك الوحيد بين "الزعيم" عيدروس و "القائد" طارق،
الإمارات، هي قاسم مشترك عظيم يعلو على كل التناقضات بين "الزعيم" و "القائد".
قاسم مشترك قوي، يجعل من طرد رئيسهم رشاد العليمي من قصر معاشيق، مجرد تغيير لمسرح العمليات.
وهذا المشهد وحده يكفي لإثبات أن من يدير اللعبة ليست الشرعية ولا المجلس الرئاسي، بل من يقف فوقهما: الإمارات والسعودية.
٣- الرئيس وسفراء أمريكا وأوروبا
*
اليوم، سوف يقابل الرئيس اليمني سفراء أمريكا ودول أوروبا لمناقشة الخروج الرئاسي "الغير لائق" و "الإحراءات الأحادية" التي قام بها عيدروس الزبيدي في عدن وحضرموت.
والغالب أنه سوف يقابل مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، أيضا.
إن لم يحدث هذا، فعلى الدنيا السلام وطي الصفحات وإسدال الستار..
٤- خلفية هذه التطورات
*
بلادنا، إسمها: اليمن.
وبداخلها: الحوثية والانفصال.
الحوثيون، يقولون أنهم يحبون اليمن أكثر منا.
الانفصاليون، يقولون أنهم يكرهون اليمن ويكرهوننا.
القاسم المشترك بين الحوثيين والانفصاليين- المحبين والكارهين- هو أنهم يفتكون باليمن ويهلكونها.
وهناك الجيران: السعودية والإمارات.
وهناك أمريكا.
هؤلاء الثلاثة، هم المقررون الفعليون لمصير اليمن.
وهناك أنا وأمثالي من عموم اليمنيين: الجنوبيين والشماليين.
سوف نقوم بزيارة اليمن من خلال كل هؤلاء المذكورين، أمس واليوم وغدا.
**
ثانيا: مرارات انتصارات الحوثي وعيدروس
**
هذا الأسبوع، هو لحظة انتصار للانفصاليين الجنوبيين.
"الزعيم الجنوبي" عيدروس الزبيدي، طرد "الرئيس اليمني" من قصر الرئاسة معاشيق في عدن وطرد الحراسة الرئاسية.
بكل المقاييس والمعايير، يمكن أن نسمي هذا انتصارا للانفصاليين الذين يكرهون كلمة "اليمن".
ويمكن أن نسمي هذا هزيمة شخصية لي ولكل الناس من أمثالي.
أنا يمني، قضيت طوال عمري في سلسلة أحلام وأماني تتعرض لسلسلة من الهزائم والانكسارات.
انتصارات الانفصاليين في عدن هذه الأيام لها نفس طعم مرارة انتصار الحوثيين في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ عندما اقتحموا صنعاء.
انتصر عيدروس الزبيدي، في ٢٠٢٥، علي شخصيا وعلى اليمنيين من أمثالي بالضبط كما فعل عبدالملك الحوثي ضدنا في ٢٠١٤.
نفس طعم المرارة.
نفس الخوف والطمع والانتماء القبلي والرغبة بالسيطرة.
نفس التهديد للأمن والمساواة والتعليم العلمي والاستقرار والإزدهار.
**
ثالثا: انتصار الوحدة وانكسارها
**
اليمن، قبل ١٩٩٠، كانت اليمن الشمال واليمن الجنوب.
ثم قامت الوحدة اليمنية بتوقيع إتفاق بين الرئيس الشمالي "القبيلي" علي صالح والرئيس الجنوبي "الإشتراكي" علي البيض.
بسبب غرائز الإنسان الأربعة البدائية: الخوف- الطمع- الانتماء القبلي- الرغبة في السيطرة، فإنهما تصارعا وانتهت النتيجة بأن طرد الرئيس الشمالي زميله الجنوبي الذي شاركه في تحقيق وحدة اليمن.
عاطفيا، بالرغم من أنني "شمالي"، إلا أنني كنت متعاطفا مع الجنوبيين.
في الحقيقة، أنا لست شماليا ولا جنوبيا: أنا يمني.
ولست عقائديا على الإطلاق.
ما يهدد اليمن، وأي بلاد، هو الغرائز البدائية الأربعة للإنسان والحيوان:
الخوف- الطمع- الإنتماء القبلي المناطقي- الرغبة في السيطرة.
ما ينفع اليمن وأي وطن وأي إنسان، هو:
الأمن- المساواة- التعليم العلمي- الاستقرار- الإزدهار.
وأنا أرى أن الوحدة اليمنية الحقيقية، تتغلب على الغرائز البدائية، وتحقق منفعة اليمن.
كل مواقفي، يمكن فهمها من إدراكي لغرائز الإنسان البدائية الأربعة ومن هذه الطموحات الخمسة إما فرادى أو مجتمعة.
سوف نستدعي محطات العمر داخل اليمن، وبعدها ندخل فيما سوف تعمله الإمارات والسعودية وأمريكا اليوم بشأن انتصار عيدروس الزبيدي "الجنوبي" وطرد الرئيس رشاد العليمي "الشمالي" أو "اليمني"- من قصر معاشيق في عدن.
**
رابعا: محطات العمر خلال ٦٥ سنة
**
ولكي أفهم ما يجري اليوم، لا بد أن أفتح دفاتر عمري.
كانت مشاعري دائما جياشة وفي أقصى درجات التفاعل مع كل ما تعرضت له اليمن من أحداث درامية من أيام الصبا وحتى الآن.
مواقفي، لم تتغير:
من الإمامة، والجمهورية ١٩٦٢، ومن الاستعمار البريطاني للجنوب.
ولم تتغير مواقفي:
من أيام الرئيس صالح في الشمال، وأيام الرئيس علي البيض في الجنوب، وقيام الوحدة في ١٩٩٠، والتحالف القبلي الإسلامي في صنعاء في أول أيام الوحدة، ومن مؤامرات الرئيس الشمالي على الرئيس الجنوبي، وحركات الرئيس الجنوبي على الرئيس الشمالي قبل الحرب، وانتصار الرئيس الشمالي صالح في ١٩٩٤،
ولم تتغير مواقفي من:
… وقيام "الحراك" في الجنوب و "الحوثية" في الشمال في صعدة في نفس الوقت تقريبا في ٢٠٠٧ ضد الرئيس صالح، وحروب الرئيس صالح الستة ضد الحوثي في صعدة، وزيارات زعيم الحراك الجنوبي فادي باعوم للحوثي في صعدة في أقصى الشمال، وزيارات وفود الحوثي إلى عدن واحتجاجات واضطرابات ٢٠١١ ضد الرئيس صالح التي أزاحته من الحكم،
ولم تتغير مواقفي:
من انتقام الرئيس، صالح بتسليم صنعاء لقمة سائغة للحوثيين، ووصول إيران لدعم سيطرة الحوثي على اليمن
محطات اندفاع شخصي
**
١- عمر ١٨ سنة
*
كنت موافقا على ترك دراستي الجامعية في ١٩٦٧ لأقاوم الاستعمار البريطاني في عدن.
ولكن- من ستر الباري- هذا لم يحدث.
١- عمر ٤٥ سنة
*
في عام ١٩٩٣، أنا، أسست "حركة ١٣ يناير لدعم وثيقة العهد والإتفاق".
جمعت هذه الحركة ١٠٠,٠٠٠ توقيع من المواطنين ترفض الحرب التي كانت نذرها تلوح في الأفق.
هذا النشاط في الحقيقة كان ضد الرئيس الشمالي ومساندة للرئيس الجنوبي، لكن ليس من الجانب المناطقي والقبلي ولكن من أجل الوقوف ضد الغرائز البدائيّة الأربعة ومن أجل الطموحات الخمسة، كما كانت تبدو في حينها.
قبل حرب ١٩٩٤، كنت أعرف أن الرئيس الشمالي سوف ينتصر على الرئيس الجنوبي، ومع هذا عارضت الرئيس علي صالح وأيدت الرئيس علي البيض.
عندما قامت حرب ١٩٩٤ كانت دول الإمارات والسعودية والكويت، تؤيد الانفصال والرئيس علي البيض.
وكانت قطر وأمريكا، تؤيدان الوحدة والرئيس علي صالح.
انتصر الرئيس صالح في حرب ١٩٩٤، لكن هناك شعور بالمرارة عند معظم اليمنيين- وأنا منهم- لأن هذه لم تكن الوحدة التي نريدها، ولن تحقق الأمن والمساواة والاستقرار.
٣- عمر ٦٦ سنة
*
تم اعتقالي وإخفائي قسريا من قبل الحوثيين بسبب معارضتي القوية العلنية لاستيلاء الحوثي على عاصمة اليمن صنعاء.
هل أنا كنت مفيدا؟ هل انتصرت؟ هل انهزمت؟
لا يهم.
أنا كنت فقط أقوم بما شعرت أنه واجبي.
٤- عمر ٧٧ سنة
*
أنا اليوم، ضد الحوثيين ١٠٠٪ على كل مستوى في الشكل والمحتوى.
أنا اليوم أعارض عيدروس الزبيدي والانفصاليين وكل الكانتونات ١٠٠٪، ضد كل الدول الخارجية التي تزودهم بالمال والسلاح والتأييد السياسي والمعنوي ١٠٠٪.
أنا اليوم، نازح من دياري بسبب الخراب الذي لحق ببيتي الجميل ومدينتي الجميلة تعز على يد الحوثي.
ومازلت ضد الحوثي وكل من يؤيده.
وأنا ضد عيدروس الزبيدي بنفس الدرجة التي بها أنا ضد الحوثي.
هل أنا مفيدا؟ هل سوف أنتصر؟ هل سوف أنهزم؟
لا يهم.
أنا فقط أقوم اليوم بما أشعر أنه واجبي.
**
خامسا: تغير أولويات أمريكا مع أصدقائها
**
لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة.
أمريكا غيرت أولوياتها بطريقة درامية، وصدمت أصدقاءها.
يسهل علينا الكلام عندما نتكلم عن الآخرين ونغرق في الانفعالات عندما نتكلم عن أنفسنا تحت ظل نفس الظروف.
سوف نبدأ بالكلام عن تغير أولويات أمريكا تجاه حلفائها وأعدائها ثم ننتقل إلى تغير أولويات السعودية تجاه حلفائها وأعدائها في اليمن
صدمة كندا من أولويات ترامب
*
نفس الشيئ في كندا، التي يتقفز رئيس وزرائها كارني بين عواصم الصين وأوروبا واستراليا ودول نفط الخليج العربي ليحسن وضع بلاده الاقتصادي الذي تعرض لضربات قوية من فعل تغير أولويات أمريكا تحت رئاسة ترامب.
هناك مشاعر وطنية جياشة ضد ترامب وضد أمريكا في أوساط عموم الناس في كندا ومشاعر حادة، جعلتهم يتوقفون حتى عن زيارة أمريكا التي كانوا يعتبرونها وطنهم الثاني.
سوف أحكي أولا عما يحدث هذا الأسبوع من أمريكا بإعلانها الصريح لأوروبا، من أنها قد أنهت حمايتها لأوروبا.
صدمة أوروبا من أولويات ترامب
*
أوروبا، كانت تشعر بهذا وتتوجس منه ومع هذا فإنها تعيش هذا الأسبوع حالة صدمة.
أوروبا مصعوقة، وتعيش الألم الحقيقي لأن هذا مكتوب في بيان رسمي من الإدارة الأمريكية وفي تقرير علني منشور، في الوثيقة تحت إسم استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ٢٠٢٥ (2025 U.S. National Security Strategy)
هذه الوثيقة حتى تدين أوروبا بأنها غبية لأنها تسمح للمهاجرين بالوصول إليها ليعرضونها للمحو الحضاري Civilizastion Erasure وتتدخل في شؤونها الداخلية بتأليب العنصريين المتطرفين ضد حكوماتهم.
أوروبا، ترد على إدارة ترامب بأن كلامه يؤجج خطاب الكراهية والعنصرية في مجتمعاتهم الأوروبية.
الأوروبيون، في حالة غضب واستياء ويقولون علنا أن هذا يزعزع الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين.
صدمة أوكرانيا من أولويات ترامب
*
الوثيقة تميل إلى تسوية الحرب في أوكرانيا بسرعة، بغرض «إعادة الاستقرار الاستراتيجي»، وتبدي استعداداً لنهج أقل عدائية تجاه روسيا مقارنة بسياسات الغالب من الحلفاء الأوروبيين.
أمريكا ترى أن أوروبا أصبحت عبئا بدلا من كونها ذراعا أمنيا.
أمريكا، تحت إدارة ترامب ليست عقائدية.
وليست مسؤولة عن الحريات والديمقراطيات وليست شرطي العالم.
أمريكا الجديدة، قد وصل بها الأمر بأنها ليس مسؤولة عن ضحايا الزلازل والأوبئة والكوارث والفقر والمجاعات والأوبئة في العالم حيث كانت تحتل مكان الصدارة في نجدة كل المنكوبين في كل مكان في العالم.
سوف نكتفي بهذا القدر من الاستدلال على أن المصالح تتغير، والأشخاص يتغيرون، والرؤساء يتغيرون، وأولويات الدول تتغير وسوف ننتقل لتغير أولويات السعودية بصفة عامة وفي اليمن على وجه الخصوص.
**
سادسا: تغير أولويات السعودية في اليمن
**
بالتأكيد قد تغيرت أولويات السعودية في اليمن.
لكن هل تستطيع السعودية التخلي عن اليمن كما تخلت أمريكا عن كندا وأوروبا؟
أمريكا، أعادت حساباتها مع أوروبا.
هل هناك دروس نقارن بها بتغير أولويات السعودية تجاه اليمن؟
ما تفعله السعودية اليوم في اليمن، هو بالضبط ما تفعله أمريكا مع أوروبا: إعادة تعريف الفاتورة ومن يجب أن يدفعها.
١- السعودية لم “تتخلّ” عن اليمن… بل تغيّرت أولوياتها
في ٢٠١٥ كانت:
— مهووسة بالخطر الإيراني.
— ترى الحوثي تهديدا مباشرا.
— تعتقد أن الحرب ستحسم سريعا.
لكن ما حصل:
— الحرب استنزفت الرياض.
— علاقتها مع واشنطن أصبحت حساسة.
— اقتصادها يركز على نيوم و 2030.
— الإمارات دخلت لاعباً مزاحماً ومخربطاً للأوراق.
— الغرب لم يقدم دعمًا حقيقيًا.
— الحوثي أصبح كياناً واقعياً لا يسقط بالقوة.
فالنتيجة:
السعودية غيّرت استراتيجيتها، لا أكثر.
وهذا يشبه تماماً ما تفعله أمريكا مع أوروبا:
“نحن لن ندفع الفاتورة عنكم بعد الآن.”
٢- الدرس الاستراتيجي الأهم
*
لا توجد صداقة دائمة… بل توجد مصالح دائمة.
وما تراه الآن بين أمريكا–أوروبا و السعودية–اليمن يؤكد قاعدة واحدة:
{{ عندما تتغير أولويات الدولة الكبيرة، تصبح الدولة الصغيرة مكشوفة. }}
ولهذا يجب على اليمن أن يفهم قوانين “الدولة الكبيرة”:
٣- كل دولة كبيرة لها نقطة تشبع
*
عندها تتوقف عن الإنفاق بلا مقابل.
— أمريكا وصلت إلى نقطة التشبع مع أوروبا.
— السعودية وصلت إلى نقطة التشبع في اليمن.
٤- الدولة الكبيرة لا تدعم إلا عندما ترى فائدة واضحة
*
أمريكا فقدت الفائدة من أوروبا.
السعودية فقدت الفائدة من “الشرعية”.
٥- الدول الكبيرة تحب التعامل مع شريك قوي
*
أمريكا تفضل ألمانيا قوية…
السعودية تفضل رئاسة يمنية قوية.
لكن:
— أوروبا ضعفت بسبب الانقسامات.
— الشرعية ضعفت بسبب الكانتونات والفساد والتشرذم.
في الحالتين، الحليف الضعيف يُهمَل.
**
سابعا: انسحاب عسكر السعودية من معاشيق
**
الرئيس رشاد العليمي يصل مطار عدن فوق طائرة عسكرية سعودية، وينتقل إلى المطار فوق طائرة عسكرية سعودية، ويصل إلى قصر معاشيق داخل عربة مدرعة ضخمة سعودية وسط رتل من المدرعات ويبقى في القصر حبيسا حتى يعود إلى المطار وإلى الرياض بنفس الطريقة.
يوم أمس غادرت الكتيبة العسكرية السعودية قصر معاشيق.
هذا يعني أن الرئيس رشاد العليمي لن يدخل هذا القصر مرة ثانية إلى الأبد.
لكن هذا لا يعني أن السعودية عندها نفس ترف أمريكا ويمكنها التخلي عن اليمن كما تتخلى واشنطن عن أوروبا.
السعودية لم “تتخلَّ” عن اليمن… لكنها تخلّت عن الشرعية بشكّلها الحالي.
خروج القوة السعودية، يعني رفع الغطاء عن الرئيس.
هذا ليس تخليا عن اليمن…
بل تخليا عن شكل السلطة الحالي.
**
ثامنا: السعودية تحاول إعادة تشكيل اللعبة من الصفر
**
السعودية، تعرضت لصدمات على يد عيدروس الزبيدي والإمارات وفشلت كل أدواتها القديمة.
١- فشل الأدوات القديمة
*
أدوات السعودية القديمة، فشلت تماما.
الرئاسة، الجيش المفكك، المجلس الرئاسي، وكلها ابتكارات سعودية، فشلت تماما.
كلهم، تمت صناعتهم ليكونوا أذرعة لها، ولكنهم أصبحوا عبئا عليها.
٢- استيلاء الانتقالي على معاشيق وخروج الحماية السعودية
*
هذه ليست “صدفة” ولا “فوضى”.
هذا هو إخراج رسمي للعليمي من المعادلة.
لو أرادت السعودية منعه لفعلت.
ولو أرادت أن يبقى “رمزياً” داخل معاشيق لما سمحت بخروج الحماية.
خروج القوة السعودية، يعني رفع الغطاء عن الرئيس.
هذا ليس تخليا عن اليمن…
بل تخلياً عن شكل السلطة الحالي.
٣- انفلات عيدروس وانتقال قواته إلى حضرموت دون إذن
*
السعودية، انصدمت من هذه الرسالة الإماراتية
— إذا تجرأ الانتقالي على التحرك دون إذن…
— وإذا تجاهل توجيهات وتحذيرات وإنذارات الرياض بالانسحاب …
—- وإذا حاول فرض أمر واقع في حضرموت…
فهذا يعني أن الإمارات تحركه خارج السقف المسموح، وأن الرياض تتعرض لتحدي من “شريكها المفترض”، أي الإمارات
السعودية لن تسمح بكيان متمرد عند حدودها الشرقية، أي حضرموت.
لكنها لن تتدخل الآن لأنها تنتظر لحظة إعادة هندسة الملعب كله.
**
تاسعا: الهندسة السعودية: درع الوطن
**
١- بروز درع الوطن بشكل مفاجئ وواسع
*
هذا هو السطر الأول في الاستراتيجية الجديدة:
— قوات موحدة
— تحت قيادة سعودية مباشرة
— خارج نفوذ الانتقالي
— ولا تخضع للشرعية
— ولا تخضع لأبوظبي
— وجاهزة للحظة الصفر.
— لحظة الصفر، هي أي شيئ تريده السعودية وليس اليمن.
درع الوطن، هو الرهان السعودي الجديد.
هذه ليست قوة دفاعية…
إنها قوة إعادة ضبط إذا انفلت الجنوب، أو إذا تجاوز الانتقالي حدوده.
وهذا وحده دليل قاطع أن السعودية ما زالت داخل اليمن بالكامل.
٢- السعودية لم تتخلَّ عن اليمن
*
لأن اليمن جزء من أمنها القومي، ولن تنسحب منه أبدا.
ما يجري هو انتقال من “إدارة الأزمة” إلى “إعادة تشكيل البنية”.
٣- السعودية تخلّت عن الرئاسة الحالية
*
الرئيس رشاد العليمي، بلا قوة، وبلا غطاء، وبلا احترام داخلي أو خارجي.
وترى الرياض أنه يجب تغييره أو تحييده.
٤- السعودية تخلّت عن فكرة التحالف الثلاثي (الرئاسة – الانتقالي – الإمارات)
*
لأنه انهار على الأرض.
٥- السعودية لم تتخلَّ عن مشروعها
*
بل خلقت قوات جديدة (درع الوطن)
وأعدت مسرحاً جديدا (إضعاف النفوذ الإماراتي بدون صدام مباشر)
وتنتظر لحظة تشكيل سلطة جديدة.
٦- النتيجة النهائية — بلغة واضحة:
*
السعودية لم تتخلَّ عن اليمن…
بل تخلّت عن الأدوات الفاشلة التي كانت تدير بها اليمن.
وهي الآن بصدد:
— تحجيم الانتقالي
— تحييد الرئاسة
— خلق قوة يمنية جديدة موالية لها
— وإعادة تشكيل السلطة من الصفر وفق احتياجاتها الأمنية.
**
عاشرا: أسئلة عن مصير الرئيس رشاد العليمي
**
١- ما هي فرص بقاء الرئيس رشاد العليمي في المرحلة القادمة؟
٢- هل قد انتهى تاريخ مدة الاستعمال؟
٣- إذا كان مازال صالحا للاستعمال، فكيف سوف تدعمه السعودية؟
٤- وإذا كانت مدة الاستعمال قد انتهت، ما هي مواصفات الرئيس القادم؟
هل ما زال رشاد العليمي صالحا للاستخدام؟
ببساطة: لا.
وكل المؤشرات تقول إن “مدة الصلاحية” قد انتهت أو وصلت إلى آخر ساعاتها.
١- فقد الغطاء السعودي كليا
خروج الكتيبة السعودية من معاشيق، هو قرارٌ سياسي، وليس انسحابا أمنياً فقط.
٢- فاقد للسيطرة على الأرض
*
لا جيش، لا أجهزة، لا نفوذ، ولا حتى تأثير على المحافظين.
٣- تجاهله من القيادات اليمنية نفسها
*
حتى أعضاء المجلس الرئاسي يتصرفون وكأن الرئيس غير موجود.
٤- السعودية خذلت الرئيس وتريده أن يكون رئيس
*
هذا رئيس بدون أرض وبدون قوات وبدون سلاح وبدون مال، وضعته السعودية على رأس سبعة أعضاء مجلس رئاسة، كل منهم معه إقطاعية مسلحة أو كانتون، وقوات وسلاح وميزانيات وتمويل خارجي ونهب موارد الدولة وتهريب وأموال غير شرعية.
السعودية تركته في العراء وحده يواجه لوردات حرب، وتوقعت منه أن يكون رئيسا.
السعودية تركت ابتكارها رشاد العليمي، في منتصف المعركة، بلا أدوات، وبلا سند، وبلا معنى سياسي.
٥- فشل ابتكار السعودية الرئاسي
*
فكرة المجلس الرئاسي، كانت ابتكارا سعوديا فاشلا لليمن، وقد أصبحت الرياض تدرك هذا الأمر.
السعودية لن تجدد رهانها على أداة فشلت ٣ سنوات متتالية
إذن:
نعم، انتهت مدة الاستخدام السياسية للرئيس والمجلس الرئاسي.
والسعودية في حيرة بشأن الخطوة التالية.
ويمكن أن تستعمل برودها المذهل وسماكة جلد الفيل بانتظار أن تنتهي "التقنفاز" المذهل من عيدروس وأبو زرعة والإمارات.
مجلس رئاسي من طراز غريب عجيب
*
ولا واحد من أعضاء مجلس الرئاسة وقف مع رئيسه رشاد العليمي.
لم يذكر أي أحد منهم الكلمة "المفتاحية" هذه الأيام التي هي "الإجراءات الأحادية" التي قام بها زميلهم عضو المجلس عيدروس الزبيدي.
الغرابة الكبرى، هي مواقف أعضاء مجلس الرئاسة السبعة من رئيسهم.
سبعة أعضاء، ولم يقف أيا منهم مع رئيسهم.
**
حادي عشرا: برود السعودية مذهل وخفة الإمارات مذهلة أيضا
**
يمكن تشبيه الإمارات بأنها مثل الفهد وأن السعودية مثل الفيل.
الفهد، خفيف وسريع وحاد المخالب والأنياب.
الفيل، ثقيل وقوي وجلده سميك يتحمل خدش المخالب وعضات الأنياب.
الفهد يمكن أن يزعج الفيل ولكن دعسة واحدة من الفيل تنهي المسألة.
برود السعودية في تحركات درع الوطن وفي التخلي عن صديقها رشاد العليمي مذهل.
وخفة ورشاقة الإمارات في تحريك عيدروس الزبيدي وأبو زرعة المحرمي والمجلس الانتقالي مذهلة أيضا.
قد استعملت السعودية درع الوطن حيث يلزم، وضمنت بأن الإمارات وعيدروس الزبيدي وأبو زرعة المحرمي لن يستطيعوا استعمال مخالب وأنياب القطط والفهود في أماكن جديدة.
هل السعودية، حائرة وفي "حيص بيص"؟
نعم.
ولكنها باردة وترى أن تستطيع أن تتحمل وتصبر بفضل قوات درع الوطن وبفضل حجم الفيل وقوته.
وتنتظر انقطاع أنفاس الفهد الإماراتي وخلع وتآكل أنيابه ومخالبه في المجلس الانتقالي بفعل تناقضاته الداخلية وبفعل أعدائهم في داخل الجنوب نفسه.
**
ثاني عشرا- آخر ورقة: أمريكا
**
اليوم، اجتمع الرئيس بسفراء أمريكا وأوروبا.
أمريكا، دورها في اليمن هو النافذ في لحظات الانسداد والمنعطفات.
وهذه الدول لها مصالح كبرى مع السعودية والإمارات.
وهذه الدول كلها غارقة في مشاكل داخلية وخارجية.
صدر بيان من الرئيس رشاد العليمي بأنه يرفض "الإجراءات الأحادية" من عيدروس الزبيدي وأبو زرعة المحرمي والمجلس الانتقالي.
لا ندري إن كانت أمريكا، تحت رئاسة ترامب، يمكن أن تتخطى رغبات السعودية والإمارات.
السعودية، قد أصبحت هي الحليف الأكبر لأمريكا بظهور تعبير "المحور السعودي/الأمريكي"، لكن الإمارات أيضا تقدم خدمات كبرى للدولة الأمريكية وفي اتفاقية ابراهيم.
**
ثالث عشرا: ما هو المؤكد والغير المؤكد؟
**
١- المؤكد، هو أن هذه الأزمة العيدروسية الإماراتية سوف تستمر لفترة من الزمن، ثم سوف تفشل.
٢- المؤكد، هو أن التصدي للحوثي قد رجع إلى خلف آخر صف وأن أي كلام عن هذا الموضوع، هو مجرد تشدق ألفاظ وثرثرات بلا معنى وعملة لا تصطرف عند أي يمني كان صغيرا وكبيرا.
٣- المؤكد، هو ألا أحد يهتم بعموم الناس اليمنيين العاديين.
٤-المؤكد، هو أنه لا أحد يهتم بمصلحة اليمن الأم الوطن.
٥- الغير مؤكد، هو أنه لا أحد يعرف بالضبط شكل رئاسة اليمن القادمة.
خاتمة
*
عندما تتغير أولويات الدول الكبيرة، لا أحد يسأل الدول الصغيرة عن رأيها.
أمريكا ضربت أوروبا عرض الحائط.
والسعودية اليوم تضرب الشرعية عرض الحائط.
لكن السعودية لا تستطيع أن تتخلى عن اليمن…
بل فقط تتخلى عن الأدوات الفاشلة.
وكل أسئلتنا عن مصير رشاد العليمي، وعن من بعده، وعن شكل السلطة القادم…
لن نجد إجاباتها خارج هذا القانون البسيط:
مصير اليمن يحدده اليوم: من يملك القوة… وليس من يملك الشرعية
تابع المجهر نت على X