شهدت محافظات شرق اليمن، مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تحولاً دراماتيكياً في خارطة السيطرة العسكرية، عقب بسط قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من دولة الإمارات، نفوذها على محافظتي حضرموت والمهرة، بعد إزاحة القوات القبلية بقيادة عمرو بن حبريش، ووحدات الجيش في المنطقة العسكرية الأولى التابعة للقوات المسلحة اليمنية.
وبحسب تحليل حديث أصدره مركز صنعاء للدراسات، فإن المجلس الانتقالي بات بهذا التوسع يسيطر فعليًا على معظم أراضي دولة اليمن الجنوبي السابقة، بما في ذلك أهم حقول النفط وأكثرها إنتاجية، في خطوة وصفها بأنها تدشن مرحلة جديدة من الصراع اليمني، مع ما تحمله من تداعيات سياسية وإقليمية عميقة.
وعقب التطورات الميدانية، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الوزراء سالم بن بريك العاصمة المؤقتة إلى المملكة العربية السعودية، حيث عقدا لقاءات مع سفراء ودبلوماسيين أجانب.
وفي المقابل، تراجعت قوات مدعومة من الرياض من عدة مواقع، من بينها عدن، فيما أعلنت سلطنة عُمان إغلاق حدودها مؤقتاً مع محافظة المهرة، في مؤشر على تصاعد القلق الإقليمي.
ويرى خبراء مركز صنعاء، أن ما جرى هو نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية ممتدة، حيث يعتبر الباحث حسام ردمان أن السيطرة على حضرموت والمهرة تمثل "الحدود النهائية" لمشروع المجلس الانتقالي، الذي يسعى وفق رؤيته، إلى فرض واقع عسكري شامل تمهيدًا لانتزاع اعتراف دولي بدولة جنوبية مستقلة.
وأشار ردمان إلى ما وصفها بـ"أخطاء خصوم المجلس الانتقالي" وعلى رأسها عسكرة الحراك القبلي في حضرموت، إضافة إلى ارتباك الموقف السعودي، والتي بدورها وفّرت فرصة نادرة حُسمت بسرعة لصالح أبوظبي وحلفائها المحليين.
من جانبها، أوضحت الباحثة ياسمين الإرياني أن التحرك السريع للمجلس الانتقالي جاء مدفوعاً بمخاوف وجودية من استبعاده عن أي تسوية سياسية قادمة، خصوصاً مع الحديث المتكرر عن إحياء "خارطة الطريق" التي ترعاها السعودية، والمبنية على مفاوضات ثنائية مع جماعة الحوثي.
واعتبرت الإرياني، أن فرض السيطرة على الأرض بات وسيلة لجعل تجاهل المجلس الانتقالي أمراً مستحيلاً في أي ترتيبات سلام مستقبلية.
وفيما يتعلق بالموقف السعودي، رجحت أن الرياض، رغم صدمتها من التطورات، لا تميل إلى خيار المواجهة العسكرية، بل ستلجأ إلى أدوات دبلوماسية واقتصادية للضغط على المجلس الانتقالي والإمارات، انطلاقاً من التزامها الاستراتيجي بوحدة اليمن، وحاجتها إلى بناء معسكر يمني موحد وقادر على ردع الحوثيين.
بدورها، حذرت الباحثة ميساء شجاع الدين من أن تداعيات ما جرى تتجاوز الداخل اليمني، مشيرة إلى أن العلاقة السعودية الإماراتية دخلت مرحلة غير مسبوقة من التوتر العلني، قد تصل إلى حد القطيعة السياسية.
ولفتت إلى أن حضرموت تمثل خطًا أحمر بالنسبة للرياض، نظرًا لارتباطها بالأمن القومي السعودي والروابط التاريخية والاجتماعية، ما يجعل الصدام مع أبوظبي أكثر حدة من أي خلافات سابقة.
وبحسب شجاع الدين، فإن التصعيد الحالي قد يدفع إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، مع تقارب سعودي محتمل مع قوى تدعم وحدة اليمن، مثل عُمان وقطر ومصر وتركيا، في مقابل تزايد العزلة السياسية للإمارات إذا استمر الوضع على حاله.
وفي ظل غياب رؤية واضحة لمآلات التطورات، تبقى مستقبل الحكومة المعترف بها دوليًا ووحدة الأراضي اليمنية ومسار التسوية السياسية، جميعها رهينة لتحولات ميدانية ودبلوماسية متسارعة، قد تعيد رسم المشهد اليمني والإقليمي برمته خلال المرحلة المقبلة.
تابع المجهر نت على X
