الجرحى هم الذاكرة الحية للحرب حتى بعد إيقاف البنادق عن إطلاق الرصاص، ستظل تسمع الأنين في كل أزقة المدينة، وتذكرك بمعنى التضحيات الباسلة، وترى قصص الخلود في كل الوجوه المجروحة إلى الأبد.
ستظل تفزعك مشاهد الأقدام والأيادي المبتورة وهي تمشي في شوارع المدينة، وتلاحقك في أحلامك ويقظتك الغافلة عن مراعاة الألم المستمر.
هناك العشرات من الجرحى تعفنت جراحهم في الداخل، في الوقت الذي انشغل فيه المحافظ بتقسيم الإتاوات بين الوكلاء والأحزاب السياسية، دون مراعاة هذه الشريحة الدامية المستمرة.
على مدى عقد من الحرب الحوثية وحصارها الممتد طوال 360 كيلو مترًا من سياج الجيش الوطني الذي يحمي ملايين المدنيين في أوساط مدينة تعز، يعيش الجرحى بلا أدنى حقوق من قبل الحكومة والسلطات المعنية.
ولا تزال أبواب الحرب الحوثية على تعز مفتوحة، والعديد من الجرحى يذهبون إلى دوام في المتارس، دون أي تحصيلات حقيقية لخوض معركة الخلاص التي يرددها الساسة.
بل الجريمة النكراء أن الجيش الوطني يقاوم بنفقات شهرية لا تذكر، بينما تُقدر الاحتياجات العسكرية الشهرية للمحور بأكثر من 3 مليار ريال، ولا تصل الصرفة سوى إلى 10٪ تقريباً، ولا تغطي ثلث الاحتياجات الحقيقية.
بينما تقدر الإحصائيات الحكومية أن الإيرادات المركزية لموردات تعز منذ 2018-2024 بلغت نحو 98.85 مليار ريال، هذا المبلغ المأهول لو جُمع وصرف في نفقات حقيقية بلا استرزاق من قبل السلطات المعنية لكانت تعز من أزهر المحافظات المحررة، ولما شاهدنا الجرحى في الشوارع يعانون.
إذا كانت هناك لعنة قد أصابت الحكومة المتربعة على الكراسي، فهي لعنة الجرحى، خذلان المدينة الباسلة التي فتحت نوافذ المقاومة من داخل شارع واحد محاصر من كل الاتجاهات، وأضاءت آفاق الحرية والانتصار.
قدم شباب تعز من أجسادهم ما لم يقدمه شباب غيرهم، وقد بلغت الإحصائية الرسمية منذ بداية الحرب أكثر من 18 ألف جريح، بينهم ذوو الإعاقة الدائمة، حوالي 4 آلالف حالة شاملة للجسد أو نصفية وجزئية، وبينها أيضًا 150 حالة حرجة تحتاج السفر العاجل للخارج، ونفقاتهم من 10 ألف إلى 15 ألف دولار.
هذه ليست أرقامًا للاستعراض، بل أرواح سُلبت منها الأحلام والطموحات في استعادة الدولة ومؤسساتها، وتمسكت بالصبر والمقاومة ضد هذه الجماعة السلالية المارقة.
في ظل هذا الوضع الدامي والإهمال الحكومي المعتمد، والوعود التي دفنت في أدراج مكاتب القيادة، تعفنت الجروح وخاست الأقدام.
إن الاستهانة بمعاناة الجرحى وإهمالها وضياع حقوقهم من قبل المحافظ نبيل شمسان ووزارتي الداخلية والدفاع يؤكد عدم المسؤولية التي راهنوا لأجلها، لذلك عليهما مراجعة الحسابات وإعادة النظر لجرحى الجيش الوطني، النزيف الدائم الذي يقف بلا ضماد.
تابع المجهر نت على X