عندما تشعر جماعة الحوثي بالضعف أو الخطر، تلجأ فجأة إلى مدح القبائل اليمنية والإشادة بتاريخها وبطولاتها وتذكر الأوس والخزرج وتبع اليماني وأمجاد وبسالة المقاتل اليمني. ستلحظون ذلك في فيديو أخير لحويثي يدعى نصر عامر، امتدح القبائل اليمنية بشكل متكلف وبطريقة فيها استجداء.
كل من يعرف تاريخ اليمن يدرك سبب هذا المديح المفخخ..
الحوثيون لا يمتدحون القبائل حبا فيها وتقديرا لشأنها، بل حاجة إليها عندما يشعرون بالضعف والخوف.. كما يفعل الأطفال عندما يختبئون خلف الكبار إذا شعروا بالخوف.
يحرصون على تغليف أنفسهم بمقاتلي القبائل من خلال خداعهم بشعارات دينية أو وطنية أو قبلية زائفة، أو استغلال بعض العناصر القبلية الانتهازية أو المصاهرة لهم، ليتم تحويل القبيلة بشكل عام إلى دروع بشرية تتلقى الضربات بدلا عن السلالة وتدفع الثمن نيابة عنهم.
وحين تنتهي المعركة ويستقر لهم الوضع، ينقلبون على تلك القبائل ويدوسونها دون تردد، ويسخرون من تاريخها كما فعل أسلافهم الأئمة في كل مراحل التاريخ الذين قالوا قديما " القبيلي خفيف عقل يسكر من زبيبة"، و"القبيلي مثل الجُبا إذا ما دعسته يوطل"، و"لابد للقُبع من تأثير، ولو دخل العلم من جعفر"، ومعناه أنه مهما تعلم وتثقف القبيلي، فان هذا العلم والثقافة لن تنفعه، في إشارة إلى أن العلم والثقافة محصورة فيهم.
يقاتل القبيلي في الميدان دفاعا عن "حكم آل البيت" بعدما تم استغلال فقره وجهله وخداعه بشعارات دينية ووطنية (مثل قتال إسرائيل والدفاع عن السيادة ومواجهة العدوان). وعندما تنتصر العصابة السلالية بدماء القبائل المخدوعة، تهيمن على الحكم وتوزع المناصب الأساسية للسلالة، وترمي للقبائل فتات وفضلات الموائد، بالرغم من أنهم أصحاب الأرض والسكان الأصليون في اليمن.
وعندما تتعرض لأي تهديد وتشعر بالضعف كما هو الحال اليوم، تسارع إلى القول إن "اليمن يتعرض للاستهداف"، وكأن الجماعة هي اليمن نفسه.
بيت حميد الدين في الماضي حرضوا اليمنيين على قتال الأتراك تحت شعار "مواجهة الاستعمار"، لكن ما إن أنهكت القبائل وتبعثرت القوى الوطنية، حتى تحول يحيى حميد الدين إلى شريك للأتراك، فعززوا علاقتهم بهم وأزاحوا خصومهم ليستأثروا بالحكم والسلطة والثروة.
واليوم.. يعيد أحفادهم الحوثيون المشهد نفسه ولكن بعبارات جديدة مثل "مواجهة العدوان" و"الدفاع عن السيادة". غير أن النتيجة واحدة، فالسلالة هي من تسيطر على كل صغيرة وكبيرة في مؤسسات الدولة والمجتمع، فيما الشعب اليمني يُدفع إلى التضحية والحرب والفقر باسم هذه الشعارات.
عندما يتم تهديد الحوثيين، يظهرون في وسائل إعلامهم ويقولون إن اليمن يتعرض للتهديد. يغلفون أنفسهم باليمن والشعب اليمني.
بهذا الأسلوب، يصنع الحوثيون درعا لغويا يحتمون به من النقد والمساءلة، ويفرغون الهوية الوطنية من مضمونها. بل ويمنحون أنفسهم مشروعية استهداف أي يمني يعارضهم لأنهم قد أصبحوا هم اليمن وهم الشعب وهم القبيلة وهم الدين الإسلامي وهم أحفاد الرسول.
إذا ظهر عبدالملك الحوثي أو محمد ابن عمه أو ابن عمهم الثالث يحيى سريع وهددوا بإغلاق البحر الأحمر مثلا، تنشر وسائل إعلامهم في اليوم التالي مانشيتات صحفية تبدأ باستخدام عبارة: "صنعاء تهدد بإغلاق البحر الأحمر".
بدلا من القول إن الحوثيين هم من يهددون بإغلاق البحر الأحمر، أصبح الحوثيون -بقدرة قادر- هم صنعاء.
وبهذا الشكل، يعيدون تعريف "صنعاء" لتصبح الناطق الرسمي باسم الجماعة، لا عاصمة اليمنيين جميعا..! أليس اختزال الوطن في الجماعة هو ذاته الخطاب الذي استخدمه النازيون في القرن الماضي؟
حين تقول وسائلهم: "صنعاء تهدد"، يتوهم المتلقي الخارجي أن الدولة اليمنية بشعبها تتحدث، بينما في الحقيقة الذي يتحدث هو مكون صغير منبوذ ومكروه من اليمنيين قبل غيرهم.
يغلفون أنفسهم بالوطن والشعب والقبيلة والجيش والدين، ليوهموا العالم أن المساس بهم هو مساس باليمن وشعبه وقبائله والدين الإسلامي، بينما الحقيقة أنهم عصابة إرهابية حولت اليمنيين إلى رهائن وتستخدمهم كدروع لها لفرض مشروعها السلالي العنصري.
هذا التلاعب اللغوي هدفه طمس الفارق بين العصابة الإرهابية والدولة، ولهذا عندما نستمع لكلمات الحوثيين أو نقرأ أخبارهم، يجب أن نحرص على تفنيد هذه المسألة وإظهار الفرق بين العصابة الطائفية الصغيرة والدولة اليمنية، بين العُصبة السلالية والشعب اليمني الكبير الذي كان وما يزال رافضا حكم خرافة "آل البيت".
كذلك يجب أن نقول للعالم –دائما- إن عليه أن يحرص على مصالحه مع الشعب اليمني المتنوع والكبير، وألا يخاطر بعلاقته باليمنيين من خلال التقارب أو شرعنة المشروع السلالي العنصري الذي لا يمثل إلا فئة عرقية وطائفية صغيرة جدا.
فالسيطرة بقوة السلاح والقهر والتجويع، كما تفعل العصابات، لا تعكس شعبية الجماعة، بل يعكسها صندوق الانتخابات والرضا الشعبي، وهذا غير موجود في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يخفون آلاف اليمنيين في سجونهم لأنهم خالفوهم في الرأي أو المعتقد، أو رفضوا حكمهم وطالبوهم بأبسط حقوقهم.
بكل غيظ نتابع تواصلات وتعاملات الحوثيين مع الأمم المتحدة وبعض الدول المخالفة للإجماع العربي والداعمة للحوثي، لكن لا يمكن أن نقبل أن تجبرنا هذه الدول والمنظمات على شرعنة حكم الجماعة العرقطائفية العنصرية في بلادنا.
يمكنها التواصل مع هذه العصابة كجماعة صغيرة موجودة في اليمن وتتحمل مسؤوليتها في ذلك، لكن لا يحق لها أن تتواصل معها أو تقدمها كجماعة تمثل كل اليمنيين، لأنها قطعا ليست كذلك.
تابع المجهر نت على X