ليس مستغربا أن يلوح الحوثة بخيار الحرب، وليس مستغرباً أكثر أن تتوجه تهديداتهم صوب السعودية، متجاهلين تماماً الأثر العسكري والسياسي للسلطة الشرعية؛ التي بفضلها تستمد الرياضُ شرعيةَ تدخلها على الساحة اليمنية.
يرى الحوثة الحرب أقصر الطرق للوصول إلى أهدافهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية المؤجلة بفعل التطورات السابقة، ومعهم كل الحق، لأنهم شعروا بثقل هذا الخيار وانعدامه تقريباً لدى خصومهم الداخليين والخارجيين.
يعود السيناريو نفسه تقريباً.. الإيرانيون يوعزون ويحرضون والحوثة يهددون والوسطاء يتدخلون. لا شيء يمكن ملاحظته في اليمن لا الانقلاب ولا الحرب ولا تداعياتها الخطيرة وعلى رأسها تشظي الدولة، فقط هي التهديدات التي قد تطال الاستقرار السعودي والإقليمي، وهذا أسوأ نهج كان ولا يزال يكرر الإهانة للشعب اليمني ويطيل معاناته من قبل الجميع تقريباً.
تطورات هامة وخطيرة شهدها اليمن والمنطقة والعالم خلال السنتين الماضيتين، تحول بسببها الحوثة من أداة لتحقيق الأهداف الأمريكية في تطويع المنطقة، إلى جماعة تحاصرها العقوبات الأمريكية وتسلبها المزايا السياسية والاقتصادية والمادية أيضاً، فقد دمرت البنية التحتية التي كانت تدعم سلطة دولة الحوثة الموازية والمتفوقة على دولة الشرعية بنقاط عديدة وجوهرية.
ولذلك سيكون مدهشاً أن يعود الحوثة إلى مائدة الحوار مع السعودية بالندية السابقة التي كانت تعززها سياسية الرئيس الأمريكي جو بايدن غير الودية تجاه الرياض، وسيكون مدهشاً أيضاً أن تعود السعودية مفاوضاً مُذعناً للحوثة دون الشرعية وحكومتها ورجالها ومقاتليها، ودون إمكانية استخدام الورقة الأكثر أهمية وهي دعم معركة حاسمة لهزيمة الحوثة.
والمدهش أكثر من أي شيء آخر أن يعود سيناريو الحوار مجدداً، هذه المرة برغبة سعودية محضة، وهذه فرضية وإن كانت غير واقعية بالنسبة لي فإنها ليست مستبعدة، حتى وإن استدعت إطلاق تهديدات من جانب الحوثة تمس المكانة القوية للسعودية في المنطقة، خصوصاً أن ذلك قد يفيد في إرخاء القبضة الأمريكية الشديدة على الحوثة ويمنح السعودية حرية أكبر في التصرف بالملف اليمني، لكن دون ضمانة لتحريرها من الإملاءات الإيرانية التي تُمرَّرُ عبر نزقِ وجنونِ الحوثة.
والخلاصة أن السعودية قد تستمر كالمعتاد في تبني سياسة التهشيم الذاتي للدولة اليمنية وتهميش دور سلطتها الشرعية والإبقاء على صيغة الحكم المعطوبة ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي وتجويع الجيش الوطني وإضعافه، لكن من غير الممكن لها أن تبني سلاماً مع فريق يناصبها العداء السياسي والعقائدي والوجودي.
وعليها فقط أن تتأمل في كيف يفكر نازحوا الستينات إلى المملكة من أسلاف الحوثة المتواجدين بحكم المواطنة في جسم الدولة السعودية، ستجد أنهم يفكرون بمنطق الحوثة وتسكنهم نفس الأحلام بخصوص إنهاء الوجود السعودي من على وجه الأرض.
تابع المجهر نت على X