الثقة رأس مال الفرد والمجتمع، والصدق منجاة يا صاحبي، والكذب مهلكة، فالمصداقية تحافظ على روحك وجوهرك الإنساني، والحقيقة هدف الإنسان السوي، والدفاع عنها صمام أمان لكي لا تنزلق المجتمعات إلى هاوية يحكمها الكذب وتغيب الحقيقة.
فعندما يتسيد الكذب تتحول الحياة إلى جحيم والناس إلى سباع بشرية، هم أسوأ وافظع من سباع الغابات.
فلا يوجد أخطر من الإنسان عندما يحركه الطمع والحقد ويحكمه الكذب، حيث تتحول المجتمعات إلى قطعان تأكل نفسها وتنتحر بحبال الكذب عندما يسود ويحكم دون التفات للحقيقة أو بحث عن المعنى، معنى الروح والصدق الذي يولد الانصاف الذي بدوره يحقق العدل وتستقيم الحياة للناس كافة، من نحب ومن نكره، من نتفق أو نختلف.
وللعلم: العدل والكذب لا يجتمعان في مكان واحد أو شخص واحد. زمان كان الكذب يحاصر كوباء والكذاب ينبذ ويموت مثل الأجرب، وقد قيل في هذا: "من تعشى بالكذب ما تغدى به"، حيث تنتهي صلاحياته عند الكذبة الأولى فيشيرون إليه كخطر على الحياة مدمر للمجتمع، فيحذروه.
وكان الكذب مرض فردي يحاصر مثل الجرب، ولم يحدث في تاريخ المجتمعات تسجيل ظاهرة الكذب الجماعي على مستوى جماعة من الناس تمتهن الكذب وتفاخر به لتكون مهنة جماعية؟!
سمعنا عبر الأزمان عن جماعة الحشاشين وجماعة العراة وجماعة قطاع الطرق حتى جماعة المثليين ، لكن لم نسمع عن جماعة الكذابين التي تتخذ الكذب مهنة جماعية للمفاخرة والارتزاق.
حتى جماعة "المصاطيل" وقطاع الطرق يعيش عندهم الكذاب مطاطي الرأس، فالكذب منبوذ بالفطرة عند الأسوياء وغيرهم، عند الطالحين والصالحين، ولا يتصدر الكذاب أحدًا ولايكسب ثقة أو رضى أحد.
فالكذب يقلب الحياة رأسًا على عقب و فيه تضيع الحقوق وتنتشر الفتن بين الجماعة الواحدة والمجتمع الواحد مثل النار في الهشيم،
وتموت الحقيقة خنقًا ورفسًا وسُمًا وبردًا وحرقًا، ومعها تشتعل الفتن العمياء التي قد لا يعرف لها سببًا، ويصاب الناس بالبلاوي والموبقات دون أن يعرفوا لهم غريمًا.
أصدقكم أنني أصاب بالرعب وأنا أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينتشر ما يمكن أن نسميه الكذب الجماعي، ونراه يحكم ويغني وينشد ويصفقوا له.
ونرى الكذب وقد تحول إلى مهنة جماعية ومصدر رزق، وله أنصار وداعمون ومعجبون، ولعبة بين فرقاء وأفراد يشبه تمامًا اللعب بالنار أو اللعب مع الجن و(أم الصبيان).
الكذب في كل مجالات الحياة، والسياسية تحديدًا، هو خلق ذميم. (فالرائد لا يكذب أهله).
سأل قيصر الروم المشرك الجاهلي ابو سفيان بن حرب زعيم قريش عن محمد ( صلى الله عليه وسلم)، وهو هنا خصم سياسي بل عدو وجودي بنظر قريش.
قال قيصر :
- ماذا تقولون في محمد؟
تمنى (أبو سفيان )أن يكذب وحاول، لكنه لم يستطع، فقال الصدق هروبًا من عار الكذب، فخسارة الكذب كبيرة ومذلة الدهر.
هذه هي السياسة ومكارم الأخلاق ؟!!
ليتنا نقف في وسائل التواصل او التقاطع بالاصح عند الكذب في الكيد السياسي، بل يتجاوز الأمر عندنا إلى الحقوق والأموال والدماء والأعراض كظاهرة غريبة ومعيبة دون أن تهتز لنا شعرة خجل!
ليتحول هنا الكذب هنا إلى خيانة وشهادة زور وتخلف وخسة ونار تحرق الأخضر واليابس، وتجد لها أنصار ومعجبين، وقد تتسرب إلى واقع المجتمع كفتنة ونار بفعل موجات الكذب الممنهج، والذي يصل إلى الأموال والدماء والأعراض، ويتحول الكذب إلى دستور وقانون ونيابة وقضاء وأحكام قاطعة، كل من قبله فيضيع الحق بالباطل، ويتألم المجتمع يعميه الوجع فيتوه، وقد يشعل في نفسه النار وينتحر، انتحار جماعي كنتيجة لرقصة الكذب الجماعي.
ووحده الشيطان يرقص فرحًا وهو يرى الكذابين والمكذوب عليهم يحترقون ويحرقون أنفسهم بأيديهم، وهي نتيجة طبيعية إن لم يتدارك الأمر ويستيقظ المجتمع والنخبة وقادة المجتمع والاعلاميين والمثقفين لهذه اللعبة التي يتخبأ فيها الأبالسة والشيطان وأولاده.
ليعود الكذب كرذيلة منبوذة ويخاف الكذاب أن يجاهر بكذبه للناس، ويعاد الاعتبار للصدق والعدل صيانة للحقيقة وانقاذًا لها من تحت الأقدام والحوافر الغارقة في مستنقع الشيطان، صونًا لحياة الجميع وحفظًا لكرامة المجتمع.
وأنا هنا أتحدث عن ظاهرة مجتمعية دون تخصيص ومرض أصاب الكثير من كل الجهات والألوان التي أصبحت صفراء باهتة شاحبة بفعل الكذب والتصفيق له أو السكوت على تصدر الكذب وعربدة التفاهة والتافهين. خاصة في تعز الثقافة للأسف.
تابع المجهر نت على X