الإهداء : إلى الصديق العزيز
الإقتصادي المحترم : محمد محسن العمري ( أبو كمال)
------
في الاقتصاد لا تحسم المعارك بالتحرك في النتائج ، وإنما بالعودة إلى جذر المشكلة . والحقيقة أن جذر المشكلة يعود إلى زمن سابق حينما جرى التغني باقتصاد السوق على أنه الغاية التي تتحقق معها النهضة الإقتصادية .
*التخلي عن الاقتصاد الانتاجي :
وعلى هذا الطريق تم التخلي عن الاقتصاد الانتاجي الذي كان قد بدأ بالتشكل بإيقاعات دعوات التحرر من التبعية على نطاق واسع من بلدان العالم الثالث ، ومنها اليمن ، وفتح الباب -بموجب اتفاقية التجارة الدولية -أمام تجارة حرة أحادية الإتجاه ، أي استيراد دون تصدير ، والتي أغرقت السوق دون تطبيق الحماية الوطنية للانتاج المحلي ، علمًا بأن الحماية تمارسها اليوم أعتى الدول الرأسمالية بصور مختلفة .
وأخذ يسود نمط من الإقتصاد الريعي الاستهلاكي ، محاكاة لذلك النمط الذي ساد في دول النفط المجاورة .
في اليمن لم تتوفر لهذا النمط من الاقتصاد شروط الانتقال إلى إقتصاد السوق ، ولا إلى إقتصاد ريعي استهلاكي كامل الأركان ، فلا النظام الذي تبنى ذلك الانتقال كان نظامًا رأسماليًا بأدواته ، ومنهجه ، وتفكيره ، ومنظميه حتى يتحول إلى إقتصاد سوق ، ولا هو يقف على ثروة هائلة تمكنه من محاكاة النظام الريعي الاستهلاكي . كل ما في الأمر أن اليمن شهد طفرة كبيرة في تحويلات المغتربين ، تحسن معها عرض النقد الأجنبي في السوق ، مما أدى يومذاك إلى سلسلة من التأثيرات في النشاط التجاري والاقتصادي والأجور ، وارتفاع الانفاق العام والخاص ، وما تبعه من زيادة الطلب الذي كان لا بد أن يصاحبه زيادة في العرض .
وحينما كان التضخم يرتفع إلى مستويات عالية ، كان يسحق الفقراء ، أما ذوي الدخول الثابتة من الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة فيتعرضون إلى المزيد من الإفقار .
*بغياب الطبقة الوسطى انقسم المجتمع
إلى أغنياء وفقراء :
وشهدت تلك الفترة تشكّل كرة الثلج ، معبرًا عنها بالأزمة الإقتصادية الحادة التي أخذت تتدحرج وتطوي معها الطبقة الوسطى في مشهد انقسم معه المجتمع بصورة رأسية إلى أغنياء وفقراء ، وغابت الطبقة الوسطى ، التي كانت بمثابة قوة التوازن الإجتماعي الذي حدّ ، بشكل أو بآخر، من الاختلالات العميقة التي كانت قد نشأت في المجتمع حينما تعرضت الطبقات المنتجة ، العمال والمزارعين والموظفين والحرفيين والعمال الموسميين وغيرهم إلى الافقار والتهميش .
لقد تجاهل المنظرون لإقتصاد السوق ، يومذاك ، أن بنية وهياكل الإقتصاد اليمني ، في حاجة إلى إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل يعيد بناء الاقتصاد في إطار بنية نظام سياسي واجتماعي يتمتع بالاستقرار ، والكفاءة في استخدام وتوزيع الثروة ، والخبرة في توظيف الأدوات الاقتصادية والمالية والنقدية لإدارته ، والنزاهة في تحقيق العدالة الاجتماعية كهدف لا غنى عنه لأي اقتصاد يسعى نحو النجاح والإستقرار .
فمن شأن تلك العوامل مجتمعة أن تعمل على توازن متغيرات وتقلبات إقتصاد السوق كي لا تسيطر عليه جماعة ذات نفوذ ، من أي نوع كان ، ليتحول من "إقتصاد سوق" إلى إقتصاد طفيلي يمكن تسميته مجازًا إقتصاد " إبن سوق" ، مثلما حدث في كثير من بلدان العالم الثالث . وهذا ما حدث لاقتصاد اليمن ، ولكن بصورة جعلته ملازمًا لإقتصاد السوق .
*=العامل التاريخي ودوره في التصدي للإقتصاد الطفيلي:
فالعامل التاريخي المرتبط بالمشروع الوطني تدخل ، بما توفر لديه من عناصر إيجابية مكتسبة مثل القطاع العام ، والقطاع التعاوني ، وقطاع رأس المال المؤهل للجمع بين التجارة والصناعة ولعب دور المنظمين بالقدر الذي شجع هذا القطاع على أن يحتل مكانة مؤثرة في بنية الدولة ، وارتباط الفلاحين بالأرض ، والصيادين بالبحر ، والحرفيين الذي واصلوا التمسك بهذا التراث الأصيل الذي تطور في إقتصادات كثيرة إلى فرع هام من فروع الاقتصاد ، تدخل ليحافظ على قدر من التوازن في العلاقة بين طرفي هذه الثنائية من الاقتصاد ، والتصدي للفوضى التي أحدثها ذلك النمط من الاقتصاد الطفيلي( إبن السوق) الذي تدفق عبر قنوات النفوذ والسلطة ، والتوزيع غير العادل للثروة ، والمنح والهبات لمشاريع التنمية لمقاولين غير مؤهلين لأغراض سياسية بهدف توسيع دائرة الولاءات السياسية وغيرها من الأهداف التي ارتبطت بإعادة صياغة الخارطة الاقتصادية والتجارية في المجتمع باستخدام ادوات السلطة والنفوذ في مواجهة مع التقاليد والخبرات التي رتبتها سنوات طويلة من الممارسة .
كل هذا إضافة إلى تحويل أهم المؤسسات الاقتصادية ، وقطاعات النفط ،والمالية ، والعقارية ، وقطاع الاتصالات إلى منحٍ خاصة كشكل من أشكال اقتسام السلطة والنفوذ .
وهكذا ، فقد أخذ الاقتصاد يتخبط في معركة طاحنة بين تلك الفروع التي تأسست على قاعدة الاقتصاد الإنتاجي ، وتلك التي أخذت تجر البلاد إلى الاقتصاد الريعي الاستهلاكي والطفيلي ، وما ارتبط بكل منهما من قاعدة اجتماعية تناقضت مصالحهما ، واشتبكت في مشاهد لم يستطع معها النظام السياسي أن يحسم أمره بشأنها ، وتركها عرضة لمعارك غالبًا ما كانت تنتهي لصالح ذوي النفوذ .
*الاقتصاد في المنطقة الحرجة :
ومعها ظل الاقتصاد اليمني يتأرجح في المنطقة الحرجة بين أن يتحول إلى إقتصاد سوق ، بالمعنى الرأسمالي الحديث الذي تقوم فيه الدولة بدور الحارس والحامي لمصالح المجتمع ، أو أن يتحول كلية إلى إقتصاد طفيلي " إبن سوق" ، تتخلى فيه الدولة عن دورها في دعم إقتصاد مستقر بخلق الشروط التي تجنبه الوقوع في أيدي الفئات الطفيلية والقادمة من مسارب السلطة والنفوذ .
ومما زاد الطين بله ، وأبقى الإقتصاد حبيس هذه المنطقة الحرجة بين هذين النمطين من الإقتصاد ، كثير من العوامل يمكن الإشارة إلى عدد منها :
١-فقدت الدولة السيطرة على نسبة كبيرة من موارد ومصادر النقد الأجنبي ، حيث صارت تتحكم فيها مكاتب الصرافة ، والبنوك التجارية الخاصة والعائلية ، وانشطة التهريب وغسيل الأموال . ورغم الضوابط التي كان يضعها البنك المركزي إلا أن آلية رقابته لا تمنحه القدرة على إدارة وتعبئة هذا العنصر الهام بسبب الطبيعة الاستثنائية لعمل كل هؤلاء اللاعبين في سوق النقد الأجنبي ، بما في ذلك البنوك التجارية باعتبارها ملحقة لشركات تجارية ، مما عطل إحدى أدوات الدولة في ضبط النشاط النقدي والإقتصادي عامة .
٢-معظم البنوك التجارية نشأت ، في الأساس ، كملحقات للنشاط التجاري للبيوتات التجارية . وهذه البنوك تزاول عملها بما يخدم نشاط هذه الشركات ، مما أفقدها جانبًا هامًا من وظيفتها في تنظيم وتحرير السياسة النقدية من هيمنة الشركات التي تتبعها . وكان ذلك سببًا في عدم قدرة البنك المركزي على خلق منظومة متكاملة لسياسة نقدية تقوم على قاعدة أن البنك المركزي هو الذي يضع السياسة النقدية ، والبنوك التجارية تطبقها على أرض الواقع من خلال الإقراض ، والخدمات المصرفية ، وتمويل الاستيراد ، وأسعار الفائدة .
٣- لم يوجد قانون متماسك ينظم مكاتب الصرافة . وأخطر ما كانت تقوم به بعض هذه المكاتب هو غسيل أموال التهريب والفساد ، والمقاصة مع مكاتب الصرافة في الخارج حيث يتم الاحتفاظ بنسبة كبيرة من الأموال المحولة من الخارج في بلد التحويل لصالح ملاك المكاتب في اليمن ، أو عملاء لهذه المكاتب .
٤-إغراق البنك المركز بمهام هي في الأساس ليست من مهام البنوك المركزية ، وإنما هي من مهام خزينة الدولة ، الملحقة بوزارة المالية، وهي المعنية بتنفيذ ورقابة الميزانية السنوية للدولة . ولذلك فإن ازدواجية وضع وتنفيذ السياسة المالية والسياسة النقدية بيد البنك المركزي ، على هذا النحو ، جعلهما تبدوان وكأنهما سياسة واحدة . فالسياسة النقدية يضعها ويطبقها البنك المركزي ، أما السياسة المالية فتضعها وتطبقها وزارة المالية . والبنك المركزي يراقب وزارة المالية في حالة أنها أنفقت أكثر من اللازم وأدى ذلك إلى التضخم ، فإنه يلجأ إلى استخدام أدواته برفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم ، والعكس في حالة الانكماش .
وهنا لا بد من القول أن تدارس العودة إلى النظام المالي للخزينة العامة الملحقة بوزارة المالية سيمكن البنك المركزي من التفرغ لنشاطه الاساسي المعروف عند كل البنوك المركزية في العالم .
٥-منذ سنوات تم تعطيل العمل بموازنة سنوية تضبط الايرادات والنفقات العامة للدولة والقطاع الحكومي والعام والمختلط والتعاوني ، مما تعذر معه ضبط النشاط الاقتصادي وترشيد السياسة المالية والنقدية عامةً.
فالموازنة هي الأداة المالية الأساسية التي تستخدمها الدولة لضبط وتوجيه الاقتصاد ، وهو الأمر الذي ظلت معه السياسة المالية العامة تدار بأدوات غير إقتصادية ، أخذت تجر الاقتصاد بأكمله إلى نمط من الاقتصاد المشوه الذي يدار بأيادٍ خفية تقاوم كل محاولة لإصلاحه .
*العامل السياسي ، إقتصاد حرب ، التهريب :
٦-بالطبع ، لا بد هنا من الاشارة إلى أن جانبًا من هذه المشكلة اليوم يعود إلى العامل السياسي والنزاع المسلح الذي أغرق الحوثيون فيه البلاد . فقد أصبح الاقتصاد في البلاد أشبه ب"اقتصاد حرب" بدون قرار رسمي ينظم ذلك وفقًا لقواعد إقتصاد الحرب . وكان من الضروري أن يُتخذ قرار حكومي منذ اليوم الأول لإعادة تنظيم الإقتصاد بقواعد "اقتصاد الحرب" حتى في صورته البسيطة كي لا يتحول إلى تلك الحالة من الفوضى التي أخذت تنتج آثارها السلبية على هذا النحو الذي نراه اليوم.
٧-مع استمرار الحرب ، أخذ إقتصاد البلاد يتشظى وينقسم ، وغادر رأس المال اليمني البلاد ، وما تبقى من مؤسسات القطاع العام توقفت عن نشاطها ، ونشط التهريب لدرجة أنه خلق على الأرض قطاع كبير من ذي النفوذ الذي امتلك أدوات التأثير على النشاط الاقتصادي والمالي والنقدي ، وتدرج ليغدو مؤثرًا في الحياة السياسية على نحو امتلك ادواته السياسية والاعلامية والخشنة . بواسطتها إقتحم الحياة السياسية بدوافع معبرة عن مصالحه المستقلة والمتناقضة مع المصلحة الوطنية للخروج من أزمة الحرب . والواقع أن هذا القطاع ( التهريب) شكل محور إلتقاء بين جماعات تنتمي إلى الأطراف المتنفذة في معادلة الصراع والحرب ، أو في أحسن الأحوال مدعومة من قبلها . لقد كان هذا القطاع مصدر تكوين ثروات كبيرة لمنتسبيه ، وهي التي أخذت توظف وتغسل في سوق العقارات وسوق النقد . وكان الحوثي هو الراعي الأكبر لهذا القطاع ، واستطاع بواسطته أن يشكل نقاط اختراق في النشاط الاقتصادي بشكل عام ، والنقدي على وجه الخصوص ، ليؤثر في سوق النقد وقيمة العملة في مناطق الشرعية .
تشظي السياسات المالية والنقدية ، وحالة اللا سلم واللا حرب
٨-قد تبدو الاصلاحات صعبة بسبب هذه الأوضاع وغيرها من التعقيدات الكبيرة الناشئة عن شحة الموارد ، والعجز الكبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات ، واستنزاف احتياطي الدولة من النقد الأجنبي ، واتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات في الميزانية العامة، والبطالة المتنامية بشقيها البنيانية ، والموسمية ، ناهيك عن تشظي السياسات المالية والنقدية ، وما ترتبه من ازدواجيات في التطبيق بسبب سيطرة المليشيات الحوثية على ما يقارب أكثر من نصف النشاط الاقتصادي وسوق النقد ومصادر الدخل العام ، والتي تديره بآليات انقسامية معطلة لكل محاولة لإصلاح الاقتصاد وفقاً للمعايير التي يتطلبها نظام السوق والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، إلا أن بإمكانها أن تقاوم الانزلاق نحو الافلاس والانهيار ، وتحافظ على البقاء في هذه النقطة الحرجة التي يستطيع فيها أن يتأهل لمعاودة النمو ، على أن يصاحب هذه الاصلاحات ضخ قدر كافي من الموارد تمكنه من تغذية أنشطته الاستثمارية ، مع معالجة العجز في الميزانية الجارية ، وهو الأمر الذي لن يتم إلا بتفاهمات مع الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بهدف إصلاح يشمل العلاقة معها في هذا الجانب الذي شهد اختلالات كبيرة بسبب عدم ضبط الآلية التي كانت تتم بموجبها تقديم الدعم والمساعدة ، وأدت إلى ما أدت إليه من نتائج تعرضت ولا زالت تتعرض لانتقادات كبيرة .
كما أن حالة اللا سلم واللا حرب وعدم الاستقرار ، لا توفر الشروط الكافية لاصلاحات اقتصادية جذرية ، فالاصلاح في الميدان الاقتصادي يرتبط ارتباطًا عضويًا بالاصلاح السياسي . ولذلك لا حاجة للمبالغة في الذهاب إلى القول إلى أنها ستنقذ الاقتصاد من ورطته الكبيرة ، فهي لا زالت تدور في نطاق مكافحة جزئية للفساد وللأخطاء في الجانب المالي والإداري والنقدي ، ولم تذهب بعد إلى ما يعتور البنية الإقتصادية من اختلالات .
٩-إن متابعة إنجاز الاصلاحات في هذا الإطار مهم للغاية ، لكنها يجب أن تتداخل عند مرحلة معينة بخطوات ذات صلة بإعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية على نحو تدريجي ، وفقًا لما تسمح به الظروف والامكانيات ، لتشكل مثل هذه الإصلاحات الهيكلية ضمانةً لفعالية الاصلاح المالي والإداري والنقدي .
ووفقاً لذلك ، فإنه لا بد من النظر إلى أي إصلاحات تتم على هذا الصعيد على أنها عملية ضرورية لإعادة تعبئة المجتمع من أجل المعركة الكبرى الخاصة بهزيمة الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة من يده ، ووضع القرار بيد الشعب لتقرير خياراته السياسية بما في ذلك حل قضية الجنوب ، وفي هذا الصدد فإن لها شروطها ودوافعها السياسية والمعنوية التي من شأنها استعادة الثقة في القرار السياسي التعبوي .
*إصلاحات لا بد منها :
وبتوافقٍ مع ذلك ، لا بد من التأكيد على النقاط التالية :
ا- يجب أن لا يترك إقتصاد السوق حرًا ، يتحرك وفقًا لآلياته الخاصة ، فالدولة مسئولة إجتماعيًا عن الحد من تنامي وتوسع رقعة الافقار في المجتمع الناشئ عن بطء نمو الاقتصاد ( أو انكماشه ) ، ونمو الحاجات الإجتماعية بمعدلات أكبر من المتاح من الموارد ، والتوزيع غير العادل للثروة والدخل ، ومكافحة التهريب ونشوء حاضنات لسوق موازي يضرب في العمق إقتصاد السوق ، ومن ثم، كل محاولات الاصلاح التي تتم بأدوات إقتصادية ومالية ونقدية .
ب-على الرغم من حالة الافقار العام التي يتعرض لها المجتمع ، إلا هناك وفرة من الأثرياء الذين باتوا يكدسون أموالاً طائلة ، نسبة عالية منها تتحقق من النشاط في السوق الموازي ، وبالتالي يتم تبييضها في سوق العقارات ، وشراء النقد الأجنبي من السوق ، مع ما تلحقه بالإقتصاد من تضخم . ولا بد من التفكير في كيفية إعادة توظيف هذه الأموال لصالح الاقتصاد الوطني ، لأنه لا يجوز أن يسمح لها بأن تعبث بالاقتصاد مرتين : مرة في اقتنائها بطرق غير مشروعة ، والمرة الثانية في استخدامها لتدمير العملة الوطنية ، وتخريب سوق العقارات . والأولى أن تفكر الحكومة في فتح باب الاستثمار في سندات حكومية متوسطة وطويلة الأجل بفوائد مرتفعة ، تستطيع بواسطتها أن تخفف من الضرر الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأموال وذلك بالاستفادة منها في التحكم في عرض النقود ، وخفض التضخم ، ومواجهة الانفاق في الموازنة العامة . ونفس الشيء يمكن للبنك المركزي أن يستخدم سعر الفائدة المرتفع في تشجيع الادخار .
ج-من المهم العمل على إعادة انتاج شراكة حقيقية مع القطاع الخاص ورأس المال الوطني المنظم ،على وجه الخصوص ، عبر آليات يتم التوافق عليها ، تستند على عدد من القواعد التي تعمل بموجبها هذه الآليات بصورة منسجمة . ومن هذه القواعد التعامل مع الحرية الاقتصادي بمسئولية تراعي :
-تنمية وتطوير الاقتصاد مهمة حاكمة للقرار الإقتصادي على أي مستوى كان ، ولا بد أن تقوم هذه الشراكة على استيعاب هذه المهمة ، وفهم شروطها ودوافعها ، وتنسيق السياسات المالية والنقدية والتجارية بما يخدم في نهاية المطاف تحقيق هذه المهمة .
-التمسك بمبدأ تحقيق العدالة الإجتماعية ، فالمجتمع هو عماد الاستقرار الذي يحتاجه تطوير وتنمية الاقتصاد . ولخلق بيئة مستقرة لا بد من أن يكون للقرار الاقتصادي محتوى اجتماعي بحيث يتكامل مع الأهداف المتمثلة في مكافحة الفقر ، والبطالة ، وعدالة توزيع الدخل ، وتوفير الخدمات الاجتماعية ، أي اشباع الحاجات المادية والروحية للمجتمع .
وستلعب هذه الشراكة ، فيما لو تأسست على قاعدة حماية توازن المصالح العامة والخاصة ومصالح المجتمع ، دورًا محوريًا في توليد فرص واسعة لدعم الاقتصاد بمحفزات تمكنه من مواجهة التحديات الضخمة التي تواجهه في الوقت الحاضر ، إضافة إلى أن آليات هذه الشراكة ستتصدى للعوائق والصعوبات التي تضخها جماعة الحوثي لتخريب الجهود الاقتصادية والنقدية وعرقلة وتعطيل الاصلاحات كجزء من حربها الشاملة التي أعرقت فيها البلاد .
د-اشراك المجتمع في النشاط الإقتصادي عن طريق تشجيع الشركات المساهمة بواسطة الاكتتاب في الشركات والمؤسسات ذات العائد المرتفع وغيرها . إن هذا النمط من المشروع الإقتصادي يوسع القاعدة الاجتماعية للاقتصاد ، وخاصة حينما يستوعب قطاعات واسعة من المجتمع والاسر الفقيرة والمتوسطة عبر الإكتتاب بمبالغ تتناسب مع امكانيات هذه القطاعات من المجتمع . إن توسيع القاعدة المجتمعية للانتفاع من النشاط الاقتصادي يقلص رقعة الفقر ، ويخلق شراكة اجتماعية واسعة لتوزيع المنافع الاقتصادية بين طبقات المجتمع .
وكنا قد طرحنا هذه الفكرة في فترة سابقة ، وضربنا مثلًا بمؤسسات الاتصالات باعتبارها "ثروة اجتماعية" بيد الدولة لا يجوز أن تتصرف فيها إلا بطريقة تجمع بين المصلحة العامة والخاصة والتي كان بالامكان أن تكون مصدر دخل لآلاف الاسر المتوسطة والفقيرة ، وتم مقاومة الفكرة ورفضها ، أما المملوكة للدولة فقد طبقت الفكرة جزئيًا ولكن لصالح الفئات الغنية من المجتمع والمحاسيب .
من هنا يصبح من الأهمية بمكان توسيع قاعدة المساهمة المجتمعية في النشاط الاقتصادي عبر الاكتتاب واطلاق حوافز للشركات المساهمة في قطاع الاتصالات ، والاسماك ، والكهرباء ، والنقل البري والخدمات ، والقطاع التجاري . إن هذا النموذج من الاقتصاد أخرج كثيرًا من المجتمعات من حالة الافقار التي تولدت عن سوق جائرة إلى سوق تفاعلت مع حاجة المجتمع إلى الاستقرار لتشكل داعمًا قويًا للإقتصاد ليصبح بما يحققه من نمو قاعدة للنهوض الوطني والتطور الاجتماعي .
ه- التفكير بجدية في إعادة صياغة استراتيجية إقتصادية تنطلق مما يعرف بالمزايا النسبية للموارد في تشكيل القطاع القائد للإقتصاد ، فالبحر يوفر الظروف المناسبة للانتقال إلى إقتصاد كهذا ، وفي تجارب الأمم الكثير من الأمثلة التي يمكن الاستفادة منها . البحر هبة كبرى لم يستفد منها البلد حتى اليوم لإعادة بناء إقتصاده على مورد لا يكلفه سوى استخدام العقل في الموضع الذي ينتج العافية ،
تابع المجهر نت على X