عندما زرت تعز في ٢٠٢٢، لخصت صلابة تعز— علنا—بأنها:
"صلابة أعز الرجال"
كانت هذه شهادة شاهد عيان.
شاهد من نقطة صفر
*
زرت الخطوط الأمامية- وبعضها- من نقطة "صفر" في خندق عند مدرسة محمد علي عثمان في تعز حيث بهرر فوقي بعيون متوجسة شاب في العشرين يكسي شعره التراب وخدوده وذراعه التراب وطلب مني الصمت أو التكلم همسا لأن "الحوثيين" في الجانب الآخر يسمعون الكلام.
وزرت كل الخطوط الأمامية في مدينة تعز المحاصرة من أقصى شرقها عند المدرسة والقصر الرئاسي إلى أقصى غربها في حذران.
وزرت كل جبهات "الكدحة" في الريف.
**
أولا: الرجال الغُبْر
**
رأيت هؤلاء الرجال "الغُبْر" بعيوني وصافحتهم بيدي وتبادلنا الكلام.
عيوني وروحي وكلماتي
*
عيوني:
فضول مَكْسِيٌ بأعلى درجات الود والاحترام.
كانت تتفحصهم تريد أن تعرف ما بداخل أرواحهم.
العيون، لا تخبئ ولا تكذب.
الأرواح، تطلق ذبذبات تشعر بها الأرواح الأخرى بدون كلمات.
كلماتي:
كانت استقصائية فضولية مقتضبة تريد أن تعرف بالصوت من هؤلاء الغُبر المكسيين بالتراب ما تقوله عقولهم.
وقد أتوقف عن الكلام واستبدله بابتسامة العيون وابتسامة متأملة من كل الوجه مع شدة في التركيز وبدون انفراج شفاة.
ما رأيته أولا وقبل كل شيئ في العيون والأرواح، هو: "الكبرياء".
الغَبَرَة والأجساد النحيلة والملابس الناقصة، لم تنل مقدار ذرة من قَدْر الكبرياء.
وبعدها تدفقت إلى ذهني الرؤى الأخرى.
أجسام نحيلة، ولكن أوتار عضلاتها من أسلاك الحديد.
نقص في الرعاية والإمداد، ولكن العزيمة والصلابة تمدهم بما يلزم للصبر والتمترس والصمود.
عيونهم وروحهم وكلماتهم
*
عيونهم:
فضول حاد وتدور يمنة ويسرة تفحص وتستغرب من هذا الزائر الذي يرتدي القميص الأبيض المكوي بصحبة وحفاوة قائدهم المباشر.
عيونهم، تلمع وتتوجس ولا تبتسم.
أرواحهم:
تلين وتقترب وتطمئن بالتدريج.
استقبلت أرواحهم شيئا مريحا من هذا الزائر.
وظهرت ذبذبات لطيفة من أرواح رجال الخنادق والمتارس باتجاه هذا الزائر الذي جاء من عالم آخر لا يعرفهم ولا يعرفونه.
لا أحد يزور هؤلاء الرجال.
كلماتهم:
مفردات الكبرياء والصبر والصلابة والصمود الواضحة في عيونهم وأرواحهم، كانوا أيضا يعرفون مفرداتها وينطقون بها.
في آخر اليوم، تقاطع خروجي من خطوط المواجهة مع عودة قيادات وسطية لهؤلاء الرجال رجعوا من دورة أكاديمية يتلقون المزيد من العلم ثم يعودون للحياة اليومية مع الرجال الغبر في الخنادق والمتارس.
**
ثانيا: أعز الرجال
**
فاجأني قادتهم الكبار بطلب أن ألقي كلمة- في اليوم التالي- في القيادات الوسطية التي تتلقى دورة أكاديمية.
قلت لهم: سأقول لكم من أنتم.
١- أنتم، "أعز الرجال".
٢- أنتم، آخر قلعة عربية تواجه الهجمة الإيرانية الشاملة على العالم العربي.
٣- أنتم، نبت الأرض ولن تستطيعوا الحياة إلا بكسب عقول وقلوب الناس الذين يدبون في كل أنحاء الأرض من حولكم:
عقول وقلوب "الأغلبية الصامتة".
٤- بجانب تحملكم حماية الروح والأرض والعرض، يجب أيضا ألا تسمحوا بإلحاق أي أذى بعموم الناس الذين يزودونكم بالمدد من أبنائهم وما يتيسر من أرزاقهم.
**
ثالثا: الجنرالات في تعز
**
ثم استضافني قائد محور تعز مع كل الرتب الكبيرة ومع كل القادة من كل أنحاء تعز.
استمعت واستمعت واستمعت.
وعرفت وعرفت وعرفت.
واستمعوا لي.
أنا اعتبرت نفسي من "الأغلبية الصامتة" وأنقل لهم ذبذبات أرواح عموم الناس.
ولم تكن هناك غربة ولا قطيعة بين أرواح "أعز الرجال" ولا أرواح "الأغلبية الصامتة".
كنا على نفس الموجة ونفس الذبذبات.
سألت القادة الكبار:
"أنا التقط ذبذبات تفيد بأنكم متفاهمون ومنسجمون مع بعضكم، هل هذا صحيح؟"
قالوا: "نعم، هذا صحيح".
قلت لهم: "حافظوا على هذا ما استطعتم لأنه ليس من طباع البشر ولأنكم ونحن معكم نحتاجه."
**
رابعا: "فرقعات" ضريبة القات مع قائد محور تعز
**
ونحن نعيش اليوم حملة على هؤلاء الناس.
١- رسائل وألغام وفرقعات
**
"فرقعة" محافظ تعز و "فرقعة" وزير الإدارة المحلية
*
رسالة بتاريخ ٢٩ يوليو ٢٠٢٥ من وزير الإدارة المحلية إلى رئيس الوزراء الذي هو وزير المالية، تقول:
١- وزير المالية أرسل رسالة بتاريخ ٢٤ يونيو ٢٠٢٥ إلى وزير الدفاع، يشتكي بأن قادة تعز يستولون على ضريبة القات.
٢- محافظ تعز أرسل له (أي لوزير الإدارة المحلية) رسالة بتاريخ ٩ يوليو ٢٠٢٥ يشتكي بأن قائد محور تعز يستولي على ضريبة القات.
٣- وزير الإدارة المحلية، اختتم لرئيس الوزراء، يطلب منه أولا "إلزام قائد محور تعز بتوريد المليارات من ريالات ضرائب القات السابقة التي سبق واستلمها"، وأيضا "إلزام قائد محور تعز بالتوقف عن الاستمرار بالاستيلاء على ضريبة القات"
٢- جرأة "فرقعة" محافظ تعز
*
سوف نفترض أن محافظ تعز إنما يقوم بواجبه، لكننا لن نستطيع أبدا أن نفترض أنه تمتع بشجاعة مفاجئة تشتكي بقائد المحور برسالة علنية.
حتى أي محافظ شجاع- فعلا ومن صدق- لا يستطيع.
كيف يستطيع المحافظ أن يمتلك هذه الجرأة المفاجئة والشجاعة المفاجئة لأن يشتكي بجنرال يقيم على بعد نصف كيلومتر منه؟
هذه شجاعة مفاجئة من محافظ تعز أن يشتكي بقائد برتبة لواء في وزارة الدفاع اليمنية وهو في نفس الوقت قائد محور تعز.
وهذه ليست مجرد شكوى ولكنها أيضا تشهير وتلطيخ للسمعة.
نحن لم نسمع من قبل بجرأة أي محافظ يجهر بالشكوى من جنرال.
أما أن يقوم أيضا بالتشهير به وبتلطيخ سمعته شخصيا وبمؤسسة الجيش، فهذا أمر يستدعي التساؤل.
هل هذه شجاعة ذاتية من المحافظ؟
هل هذا جزء من مخطط أو حملة إما على قائد المحور شخصيا؟ أو على الجيش الوطني في تعز؟ أم على تعز المحاصرة بثلاثة كانتونات؟
٣- "فرقعة" وزير الإدارة المحلية
*
الإيرادات المالية في كل اليمن، وهي ضخمة جدا مقارنة بإيرادات ضريبة القات في تعز. لا تذهب إلى البنك المركزي.
وكل هذه الرسائل الغيورة "الحِمِشة" المتحمسة لم يرتفع غضبها إلا في تعز الفقيرة وعلى إيرادات ضريبة القات فقط.
إيرادات نفط، غاز، جمارك، ضرائب في عدن، مأرب، حضرموت، تُنهب يوميا ولا أحد يرسل خطابات مختومة.
لماذا اهتزّت الدولة على حفنة قات في تعز بينما تبتلع المليارات في عدن ومأرب وحضرموت بلا مساءلة؟
سوف نفترض أن وزير الإدارة المحلية، إنما يقوم بواجبه فهل يحتاج أن يكتب هذا الكلام في رسالة رسمية؟
هل طلب منه رئيس الوزراء أن يكتب هذا الكلام في رسالة رسمية؟
هل طلب منه وزير الدفاع أن يكتب هذا الكلام في رسالة رسمية؟
هل المطلوب التشهير بقائد محور تعز وتلطيخ سمعته؟ أم التعامل مع مشكلة إيرادات مالية مستعصية شاملة في كل أنحاء البلاد؟
وهل المطلوب حل مشكلة إيرادات تعز؟ أم إيرادات كل اليمن؟
ولماذا هذا التخصيص لتعز؟ ولماذا في هذا التوقيت؟
{{ كيف تسربت رسالة سرية بين وزراء حكومة اليمن إلى الوسائط الاجتماعية؟ وهل هذا إهمال؟ أم جزء من حملة متعمدة؟ }}
٣- "فرقعة" رسالة وزير الدفاع
*
بناء على رسائل وزير الإدارة المحلية ووزير المالية ورئيس الوزراء، أرسل وزير الدفاع بتاريخ ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ رسالة إلى قائد محور تعز، يأمره بالآتي:
"التوقف الفوري عن تجاوزات الاستيلاء على ضريبة القات"
{{ كيف تسربت رسالة سرية في الجيش اليمني إلى الوسائط الاجتماعية؟ وهل هذا إهمال؟ أم جزء من حملة متعمدة؟ }}
{{ وكيف تسربت كل الرسائل السرية في الجيش اليمني والحكومة في نفس التوقيت إلى الوسائط الاجتماعية؟ وهل هذا إهمال؟ أم جزء من حملة متعمدة؟ }}
وبهذا اكتملت "الفرقعات".
فرقعة محافظ تعز - فرقعة وزير الإدارة المحلية- فرقعة وزير المالية- فرقعة وزير الدفاع.
وانتشرت الرسائل التي تشهر بقائد محور تعز في الفيسبوك والوسائط الاجتماعية.
**
خامسا: لا يجوز إدارة الجيش والحكومة بفرقعات رسائل
*
ليس موضوعنا، الوضع الغريب في مسألة الإيرادات المالية في كل الكانتونات وفي كل أنحاء اليمن التي تصيب الحكومة بالشلل.
ليس موضوعنا، الوضع الغريب في تعز لجيش اليمن الذي يتسلم أدنى مرتبات وأدنى ظروف تغذية وإمداد وتموين بين كل جيوش الكانتونات والألوية العسكرية التي لا تتبع وزير الدفاع.
ليس موضوعنا، الدفاع عن قادة محور تعز بالرغم أنهم يستحقون الدفاع.
موضوعنا، هو أنه لا يجوز إدارة هموم وشجون حكومة اليمن وجيش اليمن من خلال رسائل يتم تسريبها إلى الفيسبوك.
موضوعنا، هو التشهير بقادة وتلطيخ سمعتهم برسائل من وزراء ورئيس وزراء يتم تسريبها إلى الفيسبوك.
موضوعنا، هو محاولة فهم هل هذا هو نوع من الإهمال؟ أم "السبهللة"؟ أم أنه مع سبق الترصد والتعمد؟
موضوعنا، هو أن كل هذا لا يجوز.
عبدالقادر الجنيد
٢٣ أغسطس ٢٠٢٥
تابع المجهر نت على X